الجزء
الرابع
في ذكر شئ من الأدوية والأغذية المفردة
التي جاءت على لسانه صلى الله عليه وسلم مرتبة
على حروف المعجم
حرف الهمزة
هو حجر الكحل الأسود ، يؤتى به من أصبهان ، وهو
أفضله ويؤتى به من جهة المغرب أيضاً ، وأجوده السريع التفتيت الذي لفتاته بصيص ،
وداخله أملس ليس فيه شئ من الأوساخ .
ومزاجه بارد يابس ينفع العين
ويقويها ، ويشد أعصابها ، ويحفظ صحتها ، ويذهب اللحم الزائد في القروح ويدملها ،
وينقي أوساخها ، ويجلوها ، ويذهب الصداع إذا اكتحل به مع العسل المائي الرقيق ،
وإذا دق وخلط ببعض الشحوم الطرية ، ولطخ على حرق النار ، لم تعرض فيه خشكريشة ،
ونفع من التنفط الحادث بسببه ، وهو أجود أكحال العين لا سيما للمشايخ ، والذين قد
ضعفت أبصارهم إذا جعل معه شئ من المسك .
ثبت في
الصحيح : عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال : " مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة ، طعمها طيب ،
وريحها طيب " .
في الأترج منافع كثيرة ، وهو
مركب من أربعة أشياء : قشر ، ولحم ، وحمض ، وبزر ، ولكل واحد منها مزاج يخصه ،
فقشره حار يابس ، ولحمه حار رطب ، وحمضه بارد يابس ، وبزره حار يابس .
ومن منافع قشره : أنه إذا
جعل في الثياب منع السوس ، ورائحته تصلح فساد الهواء والوباء ، ويطيب النكهة إذا
أمسكه في الفم ، ويحلل الرياح ، وإذا جعل
في الطعام كالأبازير ، أعان على الهضم . قال صاحب
القانون : وعصارة قشره تنفع من نهش
الأفاعي شرباً ، وقشره ضماداً ، وحراقة قشره طلاء جيد للبرص . انتهى .
وأما لحمه : فملطف لحرارة
المعدة ، نافع لأصحاب المرة الصفراء ، قامع للبخارات الحارة . وقال الغافقي : أكل
لحمه ينفع البواسير . انتهى .
وأما حمضه : فقابض كاسر
للصفراء ، ومسكن للخفقان الحار ، نافع من اليرقان شرباً واكتحالاً ، قاطع للقئ
الصفراوي ، مشه للطعام ، عاقل للطبيعة ، نافع من الإسهال الصفراوي ، وعصارة حمضه
يسكن غلمة النساء ، وينفع طلاء من الكلف ، ويذهب بالقوباء ، ويستدل على ذلك من
فعله في الحبر إذا وقع في الثياب قلعه ، وله قوة تلطف ، وتقطع ، وتبرد ، وتطفئ
حرارة الكبد، وتقوي المعدة ، وتمنع حدة المرة الصفراء ، وتزيل الغم العارض منها ،
وتسكن العطش .
وأما بزره : فله قوة محللة
مجففة . وقال ابن ماسويه : خاصية حبه النفع من السموم القاتلة إذا شرب منه وزن
مثقال مقشراً بماء فاتر وطلاء مطبوخ 0 وإن دق ووضع على موضع اللسعة ، نفع ، وهو
ملين للطبيعة ، مطيب للنكهة ، وأكثر هذا الفعل موجود في قشره ، وقال غيره : خاصية
حبه النفع من لسعات العقارب إذا شرب منه وزن مثقالين مقشراً بماء فاتر ، وكذلك إذا
دق ووضع على موضع اللدغة . وقال غيره : حبه يصلح للسموم كلها ، وهو نافع من لدغ
الهوام كلها .
وذكر أن بعض الأكاسرة غضب
على قوم من الأطباء ، فأمر بحبسهم ، وخيرهم أدماً لا يزيد لهم عليه ، فاختاروا
الأترج ، فقيل لهم : لم اخترتموه على غيره
؟ فقالوا : لأنه في العاجل ريحان ، ومنظره مفرح ، وقشره طيب الرائحة ، ولحمه فاكهة
، وحمضه أدم ، وحبه ترياق ، وفيه دهن .
وحقيق بشئ هذه منافعه أن
يشبه به خلاصة الوجود ، وهو المؤمن الذي يقرأ القرآن ، وكان بعض السلف يحب النظر
إليه لما في منظره من التفريح .
فيه حديثان باطلان موضوعان على رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، أحدهما : أنه " لو كان رجلاً ، لكان حليماً " الثاني :
" كل شئ أخرجته الأرض ففيه داء وشفاء إلا الأرز ، فإنه شفاء لا داء فيه
" ذكرناهما تنبيهاً وتحذيراً من نسبتهما إليه صلى الله عليه وسلم .
وبعد فهو حار يابس ، وهو
أغذى الحبوب بعد الحنطة ، وأحمدها خلطاً ، يشد البطن شداً يسيراً ، ويقوي المعدة ،
ويدبغها ، ويمكث فيها . وأطباء الهند تزعم ، أنه أحمد الأغذية وأنفعها إذا طبخ
بألبان البقر ، وله تأثير في خصب البدن ، وزيادة المني ، وكثرة التغذية ، وتصفية
اللون .
أرز : بفتح الهمزة وسكون
الراء : وهو الصنوبر ، ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : " مثل المؤمن
مثل الخامة من الزرع، تفيئها الرياح ، تقيمها مرة ، وتميلها أخرى، ومثل المنافق
مثل الأرزة لا تزال قائمة على أصلها حتى يكون انجعافها مرة واحدة"، وحبه حار
رطب ، وفيه إنضاج وتليين ، وتحليل ، ولذع يذهب بنقعه في الماء ، وهو عسر الهضم ،
وفيه تغذية كثيرة ، وهو جيد للسعال ، ولتنقية رطوبات الرئة ، ويزيد في المني ،
ويولد مغصاً ، وترياقه حب الرمان المر .
ثبت في
الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه
قال في مكة : " لا يختلى خلاها ، فقال
له العباس رضي الله عنه : إلا الإذخر يا رسول الله ، فإنه لقينهم ولبيوتهم ، فقال
: إلا الإذخر " .
والإذخر حار في الثانية ،
يابس في الأولى ، لطيف مفتح للسدد وأفواه العروق ، يدر البول والطمث ، ويفتت الحصى
، ويحلل الأورام الصلبة في المعدة والكبد والكليتين شرباً وضماداً ، وأصله يقوي
عمود الأسنان والمعدة ، ويسكن الغثيان ، ويعقل البطن .
حرف الباء
روى أبو داود والترمذي ، عن النبي صلى الله عليه
وسلم ، أنه كان يأكل البطيخ بالرطب ، يقول : " نكسر حر هذا ببرد هذا ، وبرد
هذا بحر هذا " .
وفي البطيخ عدة أحاديث لا
يصح منها شئ غير هذا الحديث الواحد ، والمراد به الأخضر ، وهو بارد رطب ، وفيه
جلاء ، وهو أسرع انحداراً عن المعدة من القثاء والخيار ، وهو سريع الإستحالة إلى
أي خلط كان صادفه في المعدة ، وإذا كان آكله محروراً انتفع به جداً ، وإن كان
مبروداً دفع ضرره بيسير من الزنجيل ونحوه ، وينبغي أكله قبل الطعام ، ويتبع به ،
وإلا غثى وقيأ ، وقال بعض الأطباء : إنه قبل الطعام يغسل البطن غسلاً ، ويذهب
بالداء أصلاً .
روى النسائي وابن ماجه في سننهما
: من هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : " كلوا البلح بالتمر ، فإن الشيطان إذا نظر إلى
ابن آدم يأكل البلح بالتمر يقول : بقي ابن آدم حتى أكل الحديث بالعتيق " .
وفي رواية : " كلوا البلح بالتمر ، فإن الشيطان يحزن إذا رأى ابن آدم يأكله
يقول : عاش ابن آدم حتى أكل الجديد بالخلق " ، رواه البزار في مسنده
وهذا لفظه .
قلت : الباء في الحديث بمعنى
: مع ، أي : كلوا هذا مع هذا قال بعض أطباء الإسلام : إنما أمر النبي صلى الله
عليه وسلم بأكل البلح بالتمر ، ولم يأمر بأكل البسر مع التمر ، لأن البلح بارد
يابس ، والتمر حار رطب ، ففي كل منهما إصلاح للآخر ، وليس كذلك البسر مع التمر ،
فإن كل واحد منهما حار ، وإن كانت حرارة التمر أكثر ، ولا ينبغي من جهة الطب الجمع
بين حارين أو باردين ، كما تقدم . وفي هذا الحديث : التنبيه على صحة أصل صناعة
الطب ، ومراعاة التدبير الذي يصلح في دفع كيفيات الأغذية والأدوية بعضها ببعض ،
ومراعاة القانون الطبي الذي تحفظ به الصحة .
وفي البلح برودة ويبوسة ،
وهو ينفع الفم واللثة والمعدة ، وهو رديء للصدر والرئة بالخشونة التي فيه ، بطيء
في المعدة يسير التغذية ، وهو للنخلة كالحصرم لشجرة العنب ، وهما جميعاً يولدان
رياحاً ، وقراقر ، ونفخاً ، ولا سيما إذا شرب عليهما الماء ، ودفع مضرتهما بالتمر
، أو بالعسل والزبد .
بسر : ثبت في الصحيح
: أن أبا الهيثم بن التيهان ، لما ضافه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر
وعمر رضي الله عنهما ، جاءهم بعذق - وهو من النخلة كالعنقود من العنب - فقال له :
" هلا انتقيت لنا من رطبه فقال
: أحببت أن تنتقوا من بسره ورطبه " .
البسر : حار يابس ، ويبسه
أكثر من حره ، ينشف الرطوبة ، ويدبغ المعدة ، ويحبس البطن ، وينفع اللثة والفم ،
وأنفعه ما كان هشاً وحلواً ، وكثرة أكله وأكل البلح يحدث السدد في الأحشاء .
بيض : ذكر البيهقي في شعب الإيمان
أثراً مرفوعاً : أن نبياً من الأنبياء شكى إلى الله سبحانه الضعف ، فأمره
بأكل البيض . وفي ثبوته نظر ، ويختار من
البيض الحديث على العتيق ، وبيض الدجاج على سائر بيض الطير ، وهو معتدل يميل إلى
البرودة قليلاً .
قال صاحب القانون
: ومحه : حار رطب ، يولد دماً صحيحاً محموداً ، ويغذي غذاءاً يسيراً ،
ويسرع الإنحدار من المعدة إذا كان رخواً . وقال غيره : مح البيض : مسكن للألم ،
مملس للحلق وقصبة الرئة ، نافع للحلق والسعال وقروح الرئة والكلى والمثانة ، مذهب
للخشونة ، لا سيما إذا أخذ بدهن اللوز الحلو ، ومنضج لما في الصدر ، ملين له ،
مسهل لخشونة الحلق ، وبياضه إذا قطر في العين الوارمة ورماً حاراً ، برده ، وسكن
الوجع وإذا لطخ به حرق النار أو ما يعرض له ، لم يدعه يتنفط ، وإذا لطخ به الوجع ،
منع الإحتراق العارض من الشمس ، واذا خلط بالكندر ، ولطخ على الجبهة ، نفع من
النزلة .
وذكره صاحب القانون
في الأدوية القلبية ، ثم قال : وهو - وإن لم يكن من الأدوية المطلقة - فإنه
مما له مدخل في تقوية القلب جداً أعني الصفرة ، وهي تجمع ثلاثة معان : سرعة
الإستحالة إلى الدم ، وقلة الفضلة ، وكون الدم المتولد منه مجانساً للدم الذي يغذو
القلب خفيفاً مندفعاً إليه بسرعة ، ولذلك هو أوفق ما يتلافى به عادية الأمراض
المحللة لجوهر الروح .
روى أبو داود في سننه :
عن عائشة رضي الله عنها ، أنها سئلت عن البصل ، فقالت : إن آخر طعام أكله رسول
الله صلى الله عليه وسلم كان فيه بصل .
وثبت عنه في الصحيحين
أنه منع آكله من دخول المسجد .
والبصل : حار في الثالثة ،
وفيه رطوبة فضلية ينفع من تغير المياه ، ويدفع ريح السموم ، ويفتق الشهوة ، ويقوي
المعدة ، ويهيج الباه ، ويزيد في المني ، ويحسن اللون ، ويقطع البلغم ، ويجلو
المعدة ، وبزره يذهب البهق ، ويدلك به حول داء الثعلب ، فينفع جداً ، وهو بالملح
يقلع الثآليل ، وإذا شمه من شرب دواء مسهلاً منعه من القئ والغثيان ، وأذهب رائحة
ذلك الدواء ، وإذا استعط بمائه ، نقى الرأس ، ويقطر في الأذن لثقل السمع والطنين
والقيح ، والماء الحادث في الأذنين ، وينفع من الماء النازل في العينين اكتحالاً
يكتحل ببزره مع العسل لبياض العين ، والمطبوخ منه كثير الغذاء ينفع من اليرقان
والسعال ، وخشونة الصدر ، ويدر البول ،
ويلين الطبع ، وينفع من عضة الكلب غير الكلب إذا نطل عيها ماؤه بملح وسذاب ، وإذا
احتمل ، فتح أفواه البواسير .
وأما ضرره : فإنه يورث
الشقيقة ، ويصدع الرأس ، ويولد أرياحاً ، ويظلم البصر ، وكثرة أكله تورث النسيان ،
ويفسد العقل ، ويغير رائحة الفم والنكهة ، ويؤذي الجليس ، والملائكة ، وإماتته
طبخاً تذهب بهذه المضرات منه .
وفي السنن : أنه صلى الله
عليه وسلم أمر آكله وآكل الثوم أن يميتهما طبخاً ويذهب رائحته مضغ ورق السذاب عليه
.
في الحديث الموضوع المختلق على رسول الله صلى
الله عليه وسلم : " الباذنجان لما أكل له " ، وهذا الكلام مما يستقبح
نسبته إلى آحاد العقلاء ، فضلاً عن الانبياء ، وبعد : فهو نوعان : أبيض وأسود ،
وفيه خلاف ، هل هو بارد أو حار ؟ والصحيح : أنه حار ، وهو مولد للسوداء والبواسير
، والسدد والسرطان والجذام ، ويفسد اللون ويسوده ، ويضر بنتن الفم ، والأبيض منه
المستطيل عار من ذلك .
حرف التاء
ثبت في الصحيح
عنه صلى الله عليه وسلم : " من تصبح بسبع تمرات وفي لفظ :
من تمر العالية لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر " . وثبت عنه أنه قال :
" بيت لا تمر فيه جياع أهله " . وثبت عنه أكل التمر بالزبد ، وأكل التمر
بالخبز ، وأكله مفرداً .
وهو حار في الثانية ، وهل هو
رطب في الأولى ، أو يابس فيها ؟ . على قولين . وهو مقو للكبد ، ملين للطبع ، يزيد
في الباه ، ولا سيما مع حب الصنوبر ، ويبرئ من خشونة الحلق ، ومن لم يعتده كأهل
البلاد الباردة فإنه يورث لهم السدد ، ويؤذي الأسنان ، ويهيج الصداع ، ودفع ضرره
باللوز والخشخاش ، وهو من أكثر الثمار تغذية للبدن بما فيه من الجوهر الحار الرطب
، وأكله على الريق يقتل الدود ، فإنه مع حرارته فيه قوة ترياقية ، فإذا أديم
استعماله على الريق ، خفف مادة الدود ، وأضعفه وقلله ، أو قتله ، وهو فاكهة وغذاء
، ودواء وشراب وحلوى .
لما لم يكن التين بأرض الحجاز والمدينة ، لم يأت
له ذكر في السنة ، فإن أرضه تنافي أرض النخل ، ولكن قد أقسم الله به في كتابه ،
لكثرة منافعه وفوائده ، والصحيح : أن المقسم به : هو التين المعروف .
وهو حار ، وفي رطوبته
ويبوسته قولان ، وأجوده : الأبيض الناضج القشر ، يجلو رمل الكلى والمثانة ، ويؤمن
من السموم ، وهو أغذى من جميع الفواكه وينفع خشونة الحلق والصدر ، وقصبة الرئة ،
ويغسل الكبد والطحال ، وينقي الخلط البلغمي من المعدة ، ويغذو البدن غذاء جيداً ،
إلا أنه يولد القمل إذا أكثر منه جداً .
ويابسه يغذو وينفع العصب ،
وهو مع الجوز واللوز محمود ، قال جالينوس :
وإذا أكل مع الجوز والسذاب قبل أخذ السم القاتل ، نفع ، وحفظ من الضرر .
ويذكر عن أبي الدرداء : أهدي
إلى النبي صلى الله عليه وسلم طبق من تين ، فقال : " كلوا و أكل منه ، وقال : لو قلت : إن فاكهة نزلت من الجنة قلت : هذه ،
لأن فاكهة الجنة بلا عجم ، فكلوا منها فإنها تقطع البواسير ، وتنفع من النقرس
" . وفي ثبوت هذا نظر .
واللحم منه أجود ، ويعطش
المحرورين ، ويسكن العطش الكائن عن البلغم المالح ، وينفع السعال المزمن ، ويدر
البول ، ويفتح سدد الكبد والطحال ، ويوافق الكلى والمثانة ، ولأكله على الريق
منفعة عجيبة في تفتيح مجاري الغذاء وخصوصاً باللوز والجوز ، وأكله مع الأغذية
الغليظة رديء جداً ، والتوت الأبيض قريب منه ، لكنه أقل تغذية وأضر بالمعدة .
قد تقدم إنها ماء الشعير المطحون ، وذكرنا
منافعها ، وأنها أنفع لأهل الحجاز من ماء الشعير الصحيح .
حرف الثاء
ثبت في
الصحيح : عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال : " اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد " .
وفي هذا الحديث من الفقه :
أن الداء يداوى بضده ، فان في الخطايا من الحرارة والحريق ما يضاده الثلج والبرد ،
والماء البارد ، ولا يقال : إن الماء الحار أبلغ في إزالة الوسخ ، لأن في الماء
البارد من تصليب الجسم وتقويته ما ليس في الحار ، والخطايا توجب أثرين : التدنيس
والإرخاء ، فالمطلوب مداواتها بما ينظف القلب ويصلبه ، فذكر الماء البارد والثلج
والبرد إشارة إلى هذين الأمرين .
وبعد فالثلج بارد على الأصح
، وغلط من قال : حار ، وشبهته تولد الحيوان فيه ، وهذا لا يدل على حرارته ، فإنه
يتولد في الفواكه الباردة ، وفي الخل ، وأما تعطيشه ، فلتهييجه الحرارة لا لحرارته
في نفسه ، ويضر المعدة والعصب ، وإذا كان وجع الأسنان من حرارة مفرطة ، سكنها .
هو قريب من البصل ، وفي الحديث : " من
أكلهما فليمتهما طبخاً " . وأهدي إليه طعام فيه ثوم ، فأرسل به إلى أبي أيوب
الأنصاري ، فقال : يا رسول الله ، تكرهه وترسل به إلي ؟ فقال : " إني أناجي
من لا تناجي " .
وبعد فهو حار يابس في
الرابعة ، يسخن تسخيناً قوياً ، ويجفف تجفيفاً بالغاً ، نافع للمبرودين ، ولمن
مزاجه بلغمي ، ولمن أشرف على الوقوع في الفالج ، وهو مجفف للمني ، مفتح للسدد ،
محلل للرياح الغليظة ، هاضم للطعام ، قاطع للعطش ، مطلق للبطن ، مدر للبول ، يقوم
في لسع الهوام وجميع الأورام الباردة مقام الترياق ، وإذا دق وعمل منه ضماد على
نهش الحيات ، أو على لسع العقارب ، نفعها وجذب السموم منها ، ويسخن البدن ، ويزيد
في حرارته ، ويقطع البلغم ، ويحلل النفخ ، ويصفي الحلق ، ويحفظ صحة أكثر الأبدان ،
وينفع من تغير المياه ، والسعال المزمن ، ويؤكل نيئاً ومطبوخاً ومشوياً ، وينفع من
وجع الصدر من البرد ، ويخرج العلق من الحلق ، وإذا دق مع الخل والملح والعسل ، ثم
وضع على الضرس المتأكل ، فتته وأسقطه ، وعلى الضرس الوجع ، سكن وجعه . وإن دق منه
مقدار درهمين ، وأخذ مع ماء العسل ، أخرج البلغم والدود ، وإذا طلي بالعسل على
البهق ، نفع .
ومن مضاره : أنه يصدع ، ويضر
الدماغ والعينين ، ويضعف البصر والباه ، ويعطش ، ويهيج الصفراء ، ويجيف رائحة الفم
، ويذهب رائحته أن يمضع عليه ورق السذاب .
ثبت في
الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم
أنه قال : " فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام " .
والثريد وإن كان مركباً ،
فإنه مركب من خبز ولحم ، فالخبز أفضل الأقوات ، واللحم سيد الإدام ، فإذا اجتمعا
لم يكن بعدهما غاية .
وتنازع الناس أيهما أفضل ؟
والصواب أن الحاجة إلى الخبز أكثر وأعم ، واللحم أجل وأفضل ، وهو أشبه بجوهر البدن
من كل ما عداه ، وهو طعام أهل الجنة ، وقد قال تعالى لمن طلب البقل ، والقثاء ،
والفوم ، والعدس ، والبصل : " أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير " [
البقرة : 62 ] ، وكثير من السلف على أن الفوم الحنطة ، وعلى هذا فالآية نص على أن
اللحم خير من الحنطة .
حرف الجيم
قلب النخل ، ثبت في الصحيحين
: عن عبد الله بن عمر قال : بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
جلوس ، إذ أتي بجمار نخلة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن من الشجر
شجرة مثل الرجل المسلم لا يسقط ورقها . . . الحديث " . والجمار : بارد يابس
في الأولى ، يختم القروح ، وينفع من نفث الدم ، واستطلاق البطن ، وغلبة المرة
الصفراء ، وثائرة الدم وليس برديء الكيموس ، ويغذو غذاء يسيراً ، وهو بطيء الهضم ،
وشجرته كلها منافع ، ولهذا مثلها النبي صلى الله عليه وسلم بالرجل المسلم لكثرة
خيره ومنافعه .
في السنن
عن عبد الله بن عمر قال : " أتي النبي صلى الله عليه وسلم بجبنة في
تبوك ، فدعا بسكين ، وسمى وقطع " رواه أبو داود ، وأكله الصحابة رضي الله
عنهم بالشام ، والعراق ، والرطب منه غير المملوح جيد للمعدة ، هين السلوك في
الأعضاء ، يزيد في اللحم ، ويلين البطن تلييناً معتدلاً ، والمملوح أقل غذاء من
الرطب ، وهو رديء للمعدة ، مؤذ للأمعاء ، والعتيق يعقل البطن ، وكذا المشوي ،
وينفع القروح ، ويمنع الإسهال .
وهو بارد رطب ، فإن استعمل
مشوياً ، كان أصلح لمزاجه ، فإن النار تصلحه وتعدله ، وتلطف جوهره ، وتطيب طعمه
ورائحته . والعتيق المالح ، حار يابس ، وشيه يصلحه أيضاً بتلطيف جوهره ، وكسر
حرافته لما تجذبه النار منه من الأجزاء الحارة اليابسة المناسبة لها ، والمملح منه
يهزل ، ويولد حصاة الكلى والمثانة ، وهو رديء للمعدة ، وخلطه بالملطفات أردأ بسبب
تنفيذها له إلى المعدة .
حرف الحاء
قد تقدمت الأحاديث في فضله ، وذكر منافعه ،
فأغنى عن إعادته .
ثبت في
الصحيحين : من حديث أبي سلمة ، عن
أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " عليكم
بهذه الحبة السوداء ، فإن فيها شفاء من كل داء إلا السام " . والسام : الموت
.
الحبة السوداء : هي الشونيز
في لغة الفرس ، وهي الكمون الأسود ، وتسمى الكمون الهندي ، قال الحربي ، عن الحسن
: إنها الخردل ، وحكى الهروي : أنها الحبة الخضراء ثمرة البطم ، وكلاهما وهم ،
والصواب : أنها الشونيز .
وهي كثيرة المنافع جداً ،
وقوله : " شفاء من كل داء " ، مثل قوله تعالى : " تدمر كل شيء بأمر
ربها " [ الأحقاف : 25 ] أي : كل شئ يقبل التدمير ونظائره ، وهي نافعة من
جميع الأمراض الباردة ، وتدخل في الأمراض الحارة اليابسة بالعرض ، فتوصل قوى
الأدوية الباردة الرطبة إليها بسرعة تنفيذها إذا أخذ يسيرها .
وقد نص صاحب القانون
وغيره ، على الزعفران في قرص الكافور لسرعة تنفيذه وإيصاله قوته ، وله
نظائر يعرفها حذاق الصناعة ، ولا تستبعد منفعة الحار في أمراض حارة بالخاصية ،
فإنك تجد ذلك في أدوية كثيرة ، منها : الأنزروت وما يركب معه من أدوية الرمد ،
كالسكر وغيره من المفردات الحارة ، والرمد ورم حار باتفاق الأطباء ، وكذلك نفع
الكبريت الحار جداً من الجرب .
والشونيز حار يابس في
الثالثة ، مذهب للنفخ ، مخرح لحب القرع ، نافع من البرص وحمى الربع : والبلغمية
مفتح للسدد ، ومحلل للرياح ، مجفف لبلة المعدة ورطوبتها . وإن دق وعجن بالعسل ،
وشرب بالماء الحار ، أذاب الحصاة التي تكون في الكليتين والمثانة ، ويدر البول
والحيض واللبن إذا أديم شربه أياماً ، وان سخن بالخل ، وطلي على البطن ، قتل حب
القرع ، فإن عجن بماء الحنظل الرطب ، أو المطبوخ ، كان فعله في إخراج الدود أقوى ،
ويجلو ويقطع ، ويحلل ، ويشفي من الزكام البارد إذا دق وصير في خرقة ، واشتم دائماً
، أذهبه .
ودهنه نافع لداء الحية ، ومن
الثآليل والخيلان ، وإذا شرب منه مثقال بماء ، نفعع من البهر وضيق النفس ، والضماد
به ينفع من الصداع البارد ، واذا نقع منه سبع حبات عدداً في لبن امرأة ، وسعط به
صاحب اليرقان ، نفعه نفعاً بليغاً .
وإذا طبخ بخل ، وتمضمض به ،
نفع من وجع الأسنان عن برد ، وإذا استعط به مسحوقاً ، نفع من ابتداء الماء العارض
في العين ، وإن ضمد به مع الخل ، قلع البثور والجرب المتقرح ، وحلل الأورام
البلغمية المزمنة ، والأورام الصلبة ، وينفع من اللقوة إذا تسعط بدهنه ، وإذا شرب
منه مقدار نصف مثقال إلى مثقال ، نفع من لسع الرتيلاء ، وإن سحق ناعماً وخلط بدهن
الحبة الخضراء ، وقطر منه في الأذن ثلاث قطرات ، نفع من البرد العارض فيها والريح
والسدد .
وإن قلي ، ثم دق ناعماً ، ثم
نقع في زيت ، وقطر في الأنف ثلاث قطرات أو أربع ، نفع من الزكام العارض معه عطاس
كثير .
وإذا أحرق وخلط بشمع مذاب
بدهن السوسن ، أو دهن الحناء ، وطلي به القروح الخارجة من الساقين بعد غسلها بالخل
، نفعها وأزال القروح .
وإذا سحق بخل ، وطلي به
البرص والبهق الأسود ، والحزاز الغليظ ، نفعها وأبرأها .
وإذا سحق ناعماً ، واستف منه كل يوم درهمين بماء
بارد من عضه كلب كلب قبل أن يفرغ من الماء ، نفعه نفعاً بليغاً ، وأمن على نفسه من
الهلاك . وإذا استعط بدهنه ، نفع من الفالج والكزاز ، وقطع موادهما ، وإذا دخن به
، طرد الهوام .
وإذا أذيب الأنزروت بماء ،
ولطخ على داخل الحلقة ، ثم ذر عليها الشونيز ، كان من الذرورات الجيدة العجيبة
النفع من البواسير ، ومنافعه أضعاف ما ذكرنا ، والشربة منه درهمان ، وزعم قوم أن
الإكثار منه قاتل .
حرير : قد تقدم أن النبي صلى
الله عليه وسلم أباحه للزبير ، ولعبد الرحمن بن عوف من حكة كانت بهما ، وتقدم
منافعه ومزاجه ، فلا حاجة إلى إعادته .
قال أبو حنيفة الدينوري : هذا هو الحب الذي يتداوى
به ، وهو الثفاء الذي جاء فيه الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ونباته يقال له
: الحرف ، وتسميه العامة : الرشاد ، وقال أبو عبيد : الثفاء : هو الحرف .
قلت : والحديث الذي أشار
إليه ، ما رواه أبو عبيد وغيره ، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه قال : " ماذا في الأمرين من الشفاء ؟ الصبر والثفاء
" رواه أبو داود في المراسيل .
وقوته في الحرارة واليبوسة
في الدرجة الثالثة ، وهو يسخن ، ويلين البطن ، ويخرج الدود وحب القرع ، ويحلل
أورام الطحال ، ويحرك شهوة الجماع ، ويجلو الجرب المتقرح والقوباء .
وإدا ضمد به مع العسل ، حلل
ورم الطحال ، وإذا طبخ مع الحناء أخرج الفضول التي في الصدر ، وشربه ينفع من نهش
الهوام ولسعها ، وإذا دخن به في موضع ، طرد الهوام عنه ، ويمسك الشعر المتساقط ،
وإذا خلط بسويق الشعير والخل ، وتضمد به ، نفع من عرق النسا ، وحلل الأورام الحارة
في آخرها .
وإذا تضمد به مع الماء
والملح أنضج الدماميل ، وينفع من الإسترخاء في جميع الاعضاء ، ويزيد في الباه ،
ويشهي الطعام ، وينفع الربو ، وعسر التنفس ، وغلظ الطحال ، وينقي الرئة ، ويدر
الطمث ، وينفع من عرق النساء ، ووجع حق الورك مما يخرج من الفضول ، إذا شرب أو
احتقن به ، ويجلو ما في الصدر والرئة من البلغم اللزج .
وإن شرب منه بعد سحقه وزن
خمسة دراهم بالماء الحار ، أسهل الطبيعة ، وحلل الرياح ، ونفع من وجع القولنج
البارد السبب ، وإذا سحق وشرب ، نفع من البرص .
وإن لطخ عليه وعلى البهق
الأبيض بالخل ، نفع منهما ، وينفع من الصداع الحادث من البرد والبلغم ، وإن قلي ،
وشرب ، عقل الطبع لا سيما إذا لم يسحق لتحلل لزوجته بالقلي ، وإذا غسل بمائه الرأس
، نشاه من الاوساخ والرطوبات اللزجة .
قال جالينوس : قوته مثل قوة
بزر الخردل ، ولذلك قد يسخن به أوجاع الورك المعروفة بالنسا ، وأوجاع الرأس ، وكل
واحد من العلل التي تحتاج إلى التسخين ، كما يسخن بزر الخردل ، وقد يخلط أيضاً في
أدوية يسقاها أصحاب الربو من طريق أن الأمر فيه معلوم أنه يقطع الأخلاط الغليظة
تقطيعاً قوياً ، كما يقطعها بزر الخردل ، لأنه شبيه به في كل شئ .
يذكر عن النبي صلى الله عليه
وسلم ، " أنه عاد سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه بمكة ، فقال : ادعوا له
طبيباً ، فدعي الحارث بن كلدة ، فنظر إليه ، فقال : ليس عليه بأس ، فاتخذوا له
فريقة ، وهي الحلبة مع تمر عجوة رطب يطبخان ، فيحساهما ، ففعل ذلك ، فبرئ" .
وقوة الحلبة من الحرارة في
الدرجة الثانية ، ومن اليبوسة في الأولى ، وإذا طبخت بالماء ، لينت الحلق والصدر
والبطن ، وتسكن السعال والخشونة والربو ، وعسر النفس ، وتزيد في الباه ، وهي جيدة
للريح والبلغم والبواسير ، محدرة الكيموسات المرتبكة في الأمعاء ، وتحلل البلغم
اللزج من الصدر ، وتنفع من الدبيلات وأمراض الرئة ، وتستعمل لهذه الأدواء في
الأحشاء مع السمن والفانيذ .
وإذا شربت مع وزن خمسة دراهم
فوة ، أدرت الحيض ، وإذا طبخت ، وغسل بها الشعر جعدته ، وأذهبت الحزاز .
ودقيقها إذا خلط بالنطرون
والخل ، وضمد به ، حلل ورم الطحال ، وقد تجلس المرأة في الماء الذي طبخت فيه
الحلبة ، فتنتفع به من وجع الرحم العارض من ورم فيه . وإذا ضمد به الأورام الصلبة
القليلة الحرارة ، نفعتها وحللتها ، وإذا شرب ماؤها ، نفع من المغص العارض من
الرياح ، وأزلق الأمعاء .
وإذا أكلت مطبوخة بالتمر ،
أو العسل ، أو التين على الريق ، حللت البلغم اللزج العارض في الصدر والمعدة ،
ونفعت من السعال المتطاول منه.
وهي نافعة من الحصر ، مطلقة
للبطن ، وإذا وضعت على الظفر المتشنج أصلحته ، ودهنها ينفع إذا خلط بالشمع من
الشقاق العارض من البرد ، ومنافعها أضعاف ما ذكرنا .
ويذكر عن القاسم بن عبد
الرحمن ، أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " استشفوا بالحلبة
" وقال بعض الأطباء : لو علم الناس منافعها ، لاشتروها بوزنها ذهباً .
حرف الخاء
ثبت في
الصحيحين ، عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال : "تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار كما يكفؤ
أحدكم خبزته في السفر نزلاً لأهل الجنة " .
وروى أبو داود في سننه :
من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : كان أحب الطعام إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم الثريد من الخبز ، والثريد من الحيس .
وروى أبو داود في سننه
أيضاً ، من حديث ابن عمر رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : " وددت أن عندي خبزة بيضاء من برة سمراء ملبقة بسمن ولبن ، فقام رجل من القوم فاتخذه ، فجاء به ، فقال :
في أي شئ كان هذا السمن ؟ فقال : في عكة
ضب ، فقال : ارفعه ".
وذكر البيهقي من حديث عائشة
رضي الله عنها ترفعه : " أكرموا الخبز ، ومن كرامته أن لا ينتظر به الإدام
" والموقوف أشبه ، فلا يثبت رفعه ، ولا رفع ما قبله .
وأما حديث النهى عن قطع
الخبز بالسكين ، فباطل لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما المروي
: النهي عن قطع اللحم بالسكين ، ولا يصح أيضاً .
قال مهنا : سألت أحمد عن
حديث أبي معشر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها ، عن النبي
صلى الله عليه وسلم : " لا تقطعوا اللحم بالسكين ، فإن ذلك من فعل الأعاجم
" . فقال : ليس بصحيح ، ولا يعرف هذا ، وحديث عمرو بن أمية خلاف هذا ، وحديث
المغيرة - يعني بحديث عمرو بن أمية - : كان النبي صلى الله عليه وسلم يحتز من لحم
الشاة . وبحديث المغيرة أنه لما أضافه أمر بجنب فشوي ، ثم أخذ الشفرة ، فجعل يحز .
فصل
وأحمد أنواع الخبز أجودها
اختماراً وعجناً ، ثم خبز التنور أجود أصنافه ، وبعده خبز الفرن ، ثم خبز الملة في
المرتبة الثالثة ، وأجوده ما اتخذ من الحنطة الحديثة .
وأكثر أنواعه تغذية خبز
السميد ، وهو أبطؤها هضماً لقلة نخالته ، ويتلوه خبز الحوارى ، ثم الخشكار .
وأحمد أوقات أكله في آخر
اليوم الذي خبز فيه ، واللين منه أكثر تلييناً وغذاء وترطيباً وأسرع انحداراً ،
واليابس بخلافه .
ومزاج الخبز من البر حار في
وسط الدرجة الثانية ، وقريب من الإعتدال في الرطوبة واليبوسة ، واليبس يغلب على ما
جففته النار منه ، والرطوبة على ضده .
وفي خبز الحنطة خاصية ، وهو
أنه يسمن سريعاً ، وخبز القطائف يولد خلطاً غليظاً ، والفتيت نفاخ بطيء الهضم ،
والمعمول باللبن مسدد كثير الغذاء ، بطىء الإنحدار .
وخبز الشعير بارد يابس في
الأولى ، وهو أقل غذاء من خبز الحنطة .
روى مسلم في
صحيحه : عن جابر بن عبد الله رضي الله
عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل أهله الإدام ، فقالوا : ما عندنا إلا
خل ، فدعا به ، وجعل يأكل ويقول : " نعم الإدام الخل ، نعم الإدام الخل
" .
وفي سنن ابن ماجه
عن أم سعد رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم : " نعم الإدام
الخل ، اللهم بارك في الخل ، فإنه كان إدام الأنبياء قبلي ، ولم يفتقر بيت فيه
الخل " .
الخل : مركب من الحرارة ،
والبرودة أغلب عليه ، وهو يابس في الثالثة ، قوي التجفيف ، يمنع من انصباب المواد
، ويلطف الطبيعة ، وخل الخمر ينفع المعدة
الصلبة ، ويقمع الصفراء ، ويدفع ضرر الأدوية القتالة ، ويحلل اللبن والدم إذا جمدا
في الجوف ، وينفع الطحال ، ويدبغ المعدة ، ويعقل البطن ، ويقطع العطش ، ويمنع
الورم حيث يريد أن يحدث ، ويعين على الهضم ، ويضاد البلغم ، ويلطف الأغذية الغليظة
، ويرق الدم .
وإذا شرب بالملح ، نفع من
أكل الفطر القتال ، وإذا احتسي ، قطع العلق المتعلق بأصل الحنك ، وإذا تمضمض به
مسخناً ، نفع من وجع الأسنان ، وقوى اللثة .
وهو نافع للداحس ، إذا طلي
به ، والنملة والأورام الحارة ، وحرق النار ، وهو مشه للأكل ، مطيب للمعدة ، صالح
للشباب ، وفي الصيف لسكان البلاد الحارة .
فيه حديثان لا يثبتان ، أحدهما : يروى من حديث
أبي أيوب الأنصاري يرفعه : " يا حبذا المتخللون من الطعام ، إنه ليس شئ أشد
على الملك من بقية تبقى في الفم من الطعام " وفيه واصل بن السائب ، قال
البخاري والرازي : منكر الحديث ، وقال النسائي والأزدي : متروك الحديث .
الثاني : يروى من حديث ابن
عباس ، قال عبد الله بن أحمد : سألت أبي عن شيخ روى عنه صالح الوحاظي يقال له :
محمد بن عبد الملك الأنصاري ، حدثنا عطاء ، عن ابن عباس ، قال : نهى رسول الله صلى
الله عليه وسلم أن يتخلل بالليط والآس ، وقال : " إنهما يسقيان عروق الجذام
" ، فقال أبي : رأيت محمد بن عبد الملك - وكان أعمى - يضع الحديث ، ويكذب .
وبعد : فالخلال نافع للثة
والأسنان ، حافظ لصحتها ، نافع من تغير النكهة ، وأجوده ما اتخذ من عيدان الأخلة ،
وخشب الزيتون والخلاف ، والتخلل بالقصب والآس والريحان ، والباذروج مضر .
حرف الدال
روى الترمذي في كتاب الشمائل
من حديث أنس بن مالك رضي الله عنهما ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يكثر دهن رأسه ، وتسريح لحيته ، ويكثر القناع كأن ثوبه ثوب زيات .
الدهن يسد مسام البدن ،
ويمنع ما يتحلل منه ، وإذا استعمل به بعد الإغتسال بالماء الحار ، حسن البدن ورطبه
، وإن دهن به الشعر حسنه وطوله ، ونفع من الحصبة ، ودفع أكثر الآفات عنه .
وفي الترمذي : من حديث أبي
هريرة رضي الله عنه مرفوعاً : " كلوا الزيت وادهنوا به " . وسيأتي إن
شاء الله تعالى.
والدهن في البلاد الحارة ،
كالحجاز ونحوه من آكد أسباب حفظ الصحة وإصلاح البدن ، وهو كالضروري لهم ، وأما
البلاد الباردة ، فلا يحتاج إليه أهلها ، والإلحاح به في الرأس فيه خطر بالبصر .
وأنفع الأدهان البسيطة :
الزيت ، ثم السمن ، ثم الشيرج .
وأما المركبة : فمنها بارد
رطب ، كدهن البنفسج ينفع من الصداع الحار ، وينوم أصحاب السهر ، ويرطب الدماغ ،
وينفع من الشقاق ، وغلبة اليبس ، والجفاف
، ويطلى به الجرب ، والحكة اليابسة ، فينفعها ويسهل حركة المفاصل ، ويصلح لأصحاب
الأمزجة الحارة في زمن الصيف ، وفيه حديثان باطلان موضوعان على رسول الله صلى الله
عليه وسلم أحدهما : " فضل دهن البنفسج على سائر الأدهان ، كفضلي على سائر
الناس " .
والثاني : " فضل دهن
البنفسج على سائر الأدهان ، كفضل الإسلام على سائر الأديان " .
ومنها : حار رطب ، كدهن
البان ، ولس دهن زهره ، بل دهن يستخرج من حب أبيض أغبر نحو الفستق ، كثير الدهنية
والدسم ، ينفع من صلابة العصب ، ويلينه ، وينفع من البرش والنمش ، والكلف والبهق ،
ويسهل بلغماً غليظاً ، ويلين الأوتار اليابسة، ويسخن العصب ، وقد روي فيه حديث
باطل مختلق لا أصل له : " ادهنوا بالبان ، فإنه أحظى لكم عند نسائكم " .
ومن منافعه أنه يجلو الأسنان ، ويكسبها بهجة ، وينقيها من الصدأ ، ومن مسح به وجهه
وأطرافه لم يصبه حصى ولا شقاق ، وإذا دهن به حقوه ومذاكيره وما والاها ، نفع من
برد الكليتين ، وتقطير البول .
حرف الذال
ثبت في
الصحيحين : عن عائشة رضي الله عنها
قالت : طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ، بذريرة في حجة الوداع لحله
وإحرامه . تقدم الكلام في الذريرة ومنافعها وما هيتها ، فلا حاجة لإعادته .
ذباب : تقدم في حديث أبي
هريرة المتفق عليه في أمره صلى الله عليه وسلم بغمس الذباب في الطعام إذا سقط فيه
لأجل الشفاء الذي في جناحه ، وهو كالترياق للسم الذي في الجناح الآخر ، وذكرنا
منافع الذباب هناك .
ذهب : روى أبو داود ،
والترمذي : " أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لعرفجة بن أسعد لما قطع أنفه
يوم الكلاب ، واتخذ أنفاً من ورق ، فأنتن عليه ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم
أن يتخذ أنفاً من ذهب " . وليس لعرفجة عندهم غير هذا الحديث الواحد .
زينة الدنيا ، وطلسم الوجود ، ومفرح النفوس ،
ومقوي الظهور ، وسر الله في أرضه ، ومزاجه في سائر الكيفيات ، وفيه حرارة لطيفة
تدخل في سائر المعجونات اللطيفة والمفرحات ، وهو أعدل المعادن على الإطلاق وأشرفها
.
ومن خواصه أنه إذا دفن في
الأرض ، لم يضره التراب ، ولم ينقصه شيئاً ، وبرادته إذا خلطت بالأدوية ، نفعت من
ضعف القلب ، والرجفان العارض من السوداء ، وينفع من حديث النفس ، والحزن ، والغم ،
والفزع ، والعشق ، ويسمن البدن ، ويقويه ، ويذهب الصفار ، ويحسن اللون ، وينفع من
الجذام ، وجميع الأوجاع والأمراض السوداوية ، ويدخل بخاصية في أدوية داء الثعلب ،
وداء الحية شرباً وطلاء ، ويجلو العين ويقويها ، وينفع من كثير من أمراضها ، ويقوي
جميع الأعضاء .
وإمساكه في الفم يزيل البخر ، ومن كان به مرض
يحتاج إلى الكي ، وكوي به ، لم يتنفط موضعه ، ويبرأ سريعاً ، وإن اتخذ منه ميلاً
واكتحل به ، قوى العين وجلاها ، وإذا اتخذ منه خاتم فصه منه وأحمي ، وكوي به قوادم
أجنحة الحمام ، ألفت أبراجها ، ولم تنتقل عنها .
وله خاصية عجيبة في تقوية النفوس ، لأجلها أبيح
في الحرب والسلاح منه ما أبيح ، وقد روى الترمذي من حديث مزيدة العصري رضي الله
عنه ، قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح ، وعلى سيفه ذهب وفضة .
وهو معشوق النفوس التي متى
ظفرت به ، سلاها عن غيره من محبوبات الدنيا ، قال تعالى : " زين للناس حب
الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة
والأنعام والحرث " ، [ آل عمران : 14 ] .
وفي الصحيحين
: عن النبي صلى الله عليه وسلم : " لو كان لابن آدم واد من ذهب لابتغى
إليه ثانياً ، ولو كان له ثان ، لابتغى إليه ثالثاً ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا
التراب ، ويتوب الله على من تاب " .
هذا وإنه أعظم حائل بين
الخليقة وبين فوزها الأكبر يوم معادها ، وأعظم شئ عصي الله به ، وبه قطعت الأرحام
، وأريقت الدماء، واستحلت المحارم ، ومنعت الحقوق ، وتظالم العباد ، وهو المرغب في
الدنيا وعاجلها ، والمزهد في الآخرة وما أعده الله لأوليائه فيها ، فكم أميت به من
حق ، وأحيي به من باطل ، ونصر به ظالم ، وقهر به مظلوم ، وما أحسن ما قال فيه
الحريري :
تبـاً لـه مـن خـادع
ممــاذق أصفـر ذي وجـهـيـن
كـالمـنافق
يبـدو بـوصـفيـن لـعين
الرامق زيــنة مــعـشـوق ولون عاشق
وحبـه عند ذوي
الحقـــائـق يدعو إلى ارتكاب سخط
الخــالق
لولاه لـم تقـطع يمين
السارق ولا بـدت مـظـلمـة مــن
فــاسق
ولا اشـمــأز بـاخــل مــن
طـارق ولا اشتكى الممطول مطل
العائق
ولا اسـتـعـيـذ مـن حسـود
راشـق وشـر ما فيــه مــن الخلائـق
أن ليس يغني عنك في
المضـايق إلا إذا فـــــر
فـــــرار الآبـــق
حرف الراء
قال الله تعالى لمريم :
" وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا * فكلي واشربي وقري عينا
"[مريم : 25] .
وفي الصحيحين
عن عبد الله بن جعفر ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل
القثاء بالرطب .
وفي سنن أبي داود
عن أنس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي
، فإن لم تكن رطبات فتمرات ، فإن لم تكن تمرات ، حسا حسوات من ماء .
طبع الرطب طبع المياه حار
رطب ، يقوي المعدة الباردة ويوافقها ، ويزيد في الباه ، ويخصب البدن ، ويوافق
أصحاب الأمزجة الباردة ويغذو غذاء كثيراً .
وهو من أعظم الفاكهة موافقة
لأهل المدينة وغيرها من البلاد التي هو فاكهتهم فيها ، وأنفعها للبدن ، وإن كان من
لم يعتده يسرع التعفن في جسده ، ويتولد عنه دم ليس بمحمود ، ويحدث في إكثاره منه
صداع وسوداء ، ويؤذي أسنانه ، وإصلاحه بالسكنجبين ونحوه .
وفي فطر النبي صلى الله عليه
وسلم من الصوم عليه ، أو على التمر ، أو الماء تدبير لطيف جداً ، فإن الصوم يخلي
المعدة من الغذاء ، فلا تجد الكبد فيها ما تجذبه وترسله إلى القوى والأعضاء ،
والحلو أسرع شئ وصولاً إلى الكبد ، وأحبه إليها ، ولا سيما إن كان رطباً ، فيشتد
قبولها له ، فتنتفع به هي والقوى ، فإن لم يكن ، فالتمر لحلاوته وتغذيته ، فإن لم
يكن ، فحسوات الماء تطفئ لهيب المعدة ، وحرارة الصوم ، فتتنبه بعده للطعام ،
وتأخذه بشهوة .
قال تعالى : " فأما إن كان من المقربين *
فروح وريحان وجنة نعيم " [ الواقعة : 88 ] . وقال تعالى : " والحب ذو
العصف والريحان " [ الرحمن : 12 ] .
وفي صحيح مسلم
عن النبي صلى الله عليه وسلم : " من عرض عليه ريحان ، فلا يرده ، فإنه
خفيف المحمل طيب الرائحة " .
وفي سنن ابن ماجه
: من حديث أسامة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
" ألا مشمر للجنة ، فإن الجنة لا خطر لها ، هي ورب الكعبة ، نور يتلألأ ،
وريحانة تهتز ، وقصر مشيد ، ونهر مطرد وثمرة نضيجة ، وزوجة حسناء جميلة ، وحلل
كثيرة في مقام أبداً ، في حبرة ونضرة ، في دور عالية سليمة بهتة ، قالوا : نعم يا رسول الله ، نحن المشمرون لها
قال : قولوا : إن شاء الله تعالى ، فقال القوم : إن شاء الله " .
الريحان كل نبت طيب الريح ،
فكل أهل بلد يخصونه بشئ من ذلك ، فأهل الغرب يخصونه بالآس ، وهو الذي يعرفه العرب
من الريحان ، وأهل العراق والشام يخصونه بالحبق .
فأما الآس ، فمزاجه بارد في
الأولى ، يابس في الثانية ، وهو مع ذلك مركب من قوى متضادة ، والأكثر فيه الجوهر
الأرضي البارد ، وفيه شئ حار لطيف ، وهو يجفف تجفيفاً قوياً ، وأجزاؤه متقاربة
القوة ، وهي قوة قابضة حابسة من داخل وخارج معاً .
وهو قاطع للإسهال الصفراوي ،
دافع للبخار الحار الرطب إذا شم ، مفرح للقلب تفريحاً شديداً ، وشمه مانع للوباء ،
وكذلك افتراشه في البيت .
ويبرئ الأورام الحادثة في
الحالبين إذا وضع عليها ، وإذا دق ورقه وهو غض وضرب بالخل ، ووضع على الرأس ، قطع
الرعاف ، وإذا سحق ورقه اليابس ، وذر على القروح ذوات الرطوبة نفعها ، ويقوي
الأعضاء الواعية إذا ضمد به ، وينفع داء الداحس ، وإذا ذر على البثور والقروح التي
في اليدين والرجلين ، نفعها .
وإذا دلك به البدن قطع العرق
، ونشف الرطوبات الفضلية ، وأذهب نتن الإبط ، وإذا جلس في طبيخه ، نفع من خراريج
المقعدة والرحم ، ومن استرخاء المفاصل ، وإذا صب على كسور العظام التي لم تلتحم ،
نفعها .
ويجلو قشور الرأس وقروحه
الرطبة ، وبثوره ، ويمسك الشعر المتساقط ويسوده ، وإذا دق ورقه ، وصب عليه ماء
يسير ، وخلط به شئ من زيت أو دهن الورد ، وضمد به ، وافق القروح الرطبة والنملة
والحمرة ، والأورام الحادة ، والشرى والبواسير .
وحبه نافع من نفث الدم
العارض في الصدر والرئة ، دابغ للمعدة وليس بضار للصدر ولا الرئة لجلاوته ،
وخاصيته النفع من استطلاق البطن مع السعال ، وذلك نادر في الأدوية ، وهو مدر للبول
، نافع من لذغ المثانة وعض الرتيلاء ، ولسع العقارب ، والتخلل بعرقه مضر ، فليحذر
.
وأما الريحان الفارسي الذي
يسمى الحبق ، فحار في أحد القولين ، ينفع شمه من الصداع الحار إذا رش عليه الماء ،
ويبرد ، ويرطب بالعرض ، وبارد في الاخر ، وهل هو رطب أو يابس ؟ على قولين .
والصحيح : أن فيه من الطبائع الأربع ، ويجلب النوم ،وبزره حابس للإسهال الصفراوي ،
ومسكن للمغص ، مقو للقلب ، نافع للأمراض السوداوية .